لا طال ما شهدت منظومة التربية والتعليم في بلادنا مسلسلات من الأوراش الإصلاحية بهدف النهوض بها وتجويدها، ثم تقييمات متباينة لمفعول وآثار هذه الاصلاحات؛ والآن، يقف القطاع على أبواب جيل جديد من الإصلاحات التربوية استنادا على مقتضيات القانون الإطار 51.17 وتوصيات النموذج التنموي الجديد.
ويعد النظام الأساسي المرتقب لموظفي وزارة التربية الوطنية مفتاح “الاصلاحات” و”الرؤية المستقبلية” لوزارة بنموسى، حيث يعتبر الجدل المثار حوله بعد “تسريب مسودته” أمرا طبيعيا وصحيا إذا ما تم أخذه بعين الاعتبار فعلا.
في هذا السياق، يرى الخبير التربوي والمفتش السابق، السيد عبد الرزاق بن شريج، في حوار أجراه مع موقع الأول للأخبار، أن الهدف من هذا التسريب هو جس نبض الشارع، منبها من الثغرات التي تحتويها المسودة وما تندر به من ضحايا جدد. وفيما يلي نص الحوار:
- ما رأيكم أستاذ بن شريج في زمن وتوقيت تسريب مسودة النظام الأساسي وما الغاية من هذا التسريب؟
يقتضي التعامل مع هذا السؤال التنويه أولا بأن الوثيقة المتحدث عنها على أساس أنها مسودة النظام الأساسي قد تكون غير صحيحة، بل من اختراع بعض الجهات التي تشتغل على نشر الأخبار المزيفة، لأننا نعيش زمن هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي على كل شيء، وغياب الأخلاق الحميدة عند البعض، والبحث عن “البوز” بأي ثمن وعلى حساب الإنسانية، ولكن بالرجوع لمضمون الوثيقة نجد أنها، فعلا، تتضمن أغلب النقط المطروحة للنقاش بين النقابات والوزارة الوصية منذ 2014، بالإضافة إلى أن الأخيرة عرضت مسودة النظام الأساسي ومقترحاتها بخصوص النقاط العالقة على النقابات المشاركة في الحوار القطاعي، في اجتماع انعقد يوم الاثنين 17/7/2023 بحضور الوزير شكيب بنموسى، وهو ما يعني أن المسودة قد تكون حقيقية بنسبة احتمال عالية؛
أما عن الغاية من ذلك فمن المعروف أن الهدف من تسريب الوثائق، في أغلب الأحيان، هو جس نبض الشارع، وتجميع مختلف التعاليق والتفاعلات لمعرفة درجة استيعاب الغايات وما سيترتب عن ذلك بعد إقراره.
إن خطورة الأمر تتجاوز التسريب والمسودة، فالسؤال الأكبر هو كيف يمكن تطبيق نظام أساسي على موظفي أكبر وزارة من حيث العدد دون استشارتهم، يقول وزير التربية الوطنية أن تطبيق النظام الأساسي سيبدأ خلال الموسم الدراسي المقبل (2023/2024)، وهو يفرض على “ممثلي الموظفين” السرية وعدم مناقشة مضامين الاتفاقات مع القواعد، وبالتالي هناك تواطؤ بين الوزارة والنقابات ضد نساء ورجال التعليم، وهو ما سيعطي دفعة قوية لميلاد المزيد من التنسيقيات ذات المصداقية يليه هروب ما تبقى من منخرطي تلك النقابات.
- تقولون بأن التفاوض بين الوزارة والنقابات انطلق منذ 2015 ونحن بالكاد نعرف أن الحوار بدأ مع بنموسى أي مع الحكومة الحالية؟
ما لا يعرفه البعض أن الحوار القطاعي حول النظام الأساسي لنساء ورجال التعليم بدأ في عهد المرحوم محمد الوفا، وأنا شخصيا شاركت فيه ممثلا لنقابة مفتشي التعليم لأزيد من سنة ونصف، تم توقف، وطرح من جديد في فترة حصاد الذي تم إعفاؤه في نفس السنة، واستؤنف الحوار من جديد مع سعيد أمزازي لكنه ظل دائما متعثرا، لينطلق من جديد مع بنموسى أو ما يسمى “حكومة الكفاءات”، وبالتالي فما نعتقده حوارا قطاعيا بصيغة الحوار الاجتماعي استغرق لحد الساعة أزيد من عشر سنوات، وهو ما يعني أن كل الحكومات المتعاقبة تنهج نفس سياسة الإلهاء وربح الوقت…
- ما تقييمكم العام لهذه المسودة؟
يصعب تقييم مسودة لسنا متأكدين من مصدرها، ولكن قراءة معطيات الساحة حاليا وخاصة خلاصات اجتماعات المجالس الوطنية للنقابات المشاركة في الحوار القطاعي يمنحنا هامشا من الفهم يسمح بالحديث، لأن هذه النقابات عرضت على أعضاء مجالسها الوطنية اقتراحات الوزارة بخصوص تنزيل وأجرأة اتفاق 14 يناير 2023، (وثيقة مسربة هي الأخرى)، فالبيانات الصادرة عن هذه المجالس تثير الشفقة و تدعو للحسرة، فأغلبها إن لم نقل كلها، ركزت على تثمين مجهودات الوزارة ومنهجية الحوار، والتفويض للمكاتب الوطنية صلاحيات التصرف في القرارات كيفما شاءت، بل بعضها شجب تسريب الوثيقة، إبرازا لدرجة التزامه بتعليمات وزارة التربية الوطنية، خاصة أن اجتماعها المقبل مع الوزارة سيكون يوم 23 غشت 2023،
- هل ترون بأن هذه المسودة عالجت نقائص النظام الأساسي القائم أم على العكس من ذلك كرست مشاكل العديد من الفئات؟
حسب تجربتي في الميدان، و أخذا بعين الاعتبار ما دأبت عليه كل الحكومات السابقة، لن يتمكن النظام الأساسي المرتقب من تجاوز كل الاختلالات التي شابت سابقيه، بل ستكون هناك ضحايا جدد، إذ أصبح من البديهي والمتوقع أن كل تعديل للنظام الأساسي يخلف ضحايا، كنتيجة لفشل طرفي التفاوض، فالتفاوض بين النقابات والدولة ممثلة في وزارة التربية الوطنية مبني على التدليس وغياب الرؤية الشاملة، وعدم استحضار المآلات، فلا النقابات تملك الحنكة والخبرة والمعلومات الكافية ليكون التعديل شاملا، ولا الوزارة تريد توسيع الاستفادة وطي الملف بل تبحث عن إرضاء المؤسسات المانحة، وتمويه نساء ورجال التعليم و تنويمهم لفترة يسيرة من الزمن في هروب إلى الأمام غايته الكبرى ضمان الاستقرار الشكلي و لو مؤقتا.
- ما هي أبرز نقائص وثغرات هذه المسودة في ارتباطها بالملفات المطلبية للنقابات والتنسيقيات؟
كل الصراعات بين الموظف والدولة سببه مادي (الأجرة ومكملاتها) وهو صراع يأتي منسجما مع الوضع الاقتصادي العالمي والداخلي (ارتفاع الأسعار) وبالتالي فأول رد فعل للموظفين سيكون ضد التراجع الذي ستعرفه “كوطا” الترقي في الدرجة، والتراجع في احتساب سنوات الترقي، بالإضافة لما سيترتب عن غموض الأسلوب الأدبي الذي كتبت به مواد النظام الأساسي، ما يفتح المجال أمام الإدارة، ليفهم ويفسر عنها كل مسؤول تلك النصوص حسب هواه، والأصل أن كتابة النص القانوني يستلزم اعتماد مختصين لتفادي التأويلات المتباينة.