يمكن لكل من تصفح مواقع التواصل الاجتماعي أثناء وبعد مباراة المنتخب المغربي، أمس السبت، أمام نظيره الجنوب إفريقي، أن يسجل تراجع الثقة في مفهوم “النية” بالدلالة التي أعطاها لها الناخب المغربي وليد الركراكي خلال مونديال قطر 2022، حيث كشفت الجماهير المغربية عن أنيابها من جديد، مطلقة العنان للمهاجمة القاسية والسخرية اللاذعة من خيارات وأداء الأسود.
إلا أن هذا الهجوم الحاد ليس صعب الفهم، خاصة إذا ما قاربنا مفهوم الجمهور من حيث أنه لا يحتكم للعقل بقدر ما تهيمن عليه الشخصية اللاواعية، ويفتقد للروح النقدية، ما يجعله يتوجه ضمن نفس الخط بواسطة التحريض والعدوى للعواطف والأفكار، وينساق وراء التضخيم والتهويل، وفق القراءة التي يقدمها عالم النفس الاجتماعي جوستاف لوبون في كتابه “سيكولوجية الجماهير”.
هذا ما يدفعنا للتسائل: هل بالفعل يعيش المنتخب المغربي انتكاسة ما بعد النجاح كما يتصور الجمهور المغربي ذلك، أم أن الأمر يتعلق بخطط واختيارات ضرورية في ضل الظرفية الحالية؟
في هذا السياق، يرى الصحافي الرياضي، محمد الزكراوي، أنه بالفعل لم يظهر المنتخب المغربي بأداء قوي يحقق به الانتصار، حيث لم يكن الأداء الذي قدمه الفريق في المستوى المنتظر بعد موقعة الرأس الأخضر التي خرج منها بالتعادل.
وسجل الزكراوي، في تحليله لموقع الأول للأخبار، أن المنتخب افتقد للتنظيم والانسجام بين اللاعبين وكان هناك تباين واضح في مستوى الأداء الفردي، مبرزا في الوقت ذاته أن الأمر لا يتعلق بانتكاسة في ضل المتغيرات الأخيرة.
وعدد الصحافي الرياضي أوجه الخلل والأخطاء المرتكبة في المباراة من قبل كتيبة الركراكي، بدأً من الفشل في استغلال الفرص التي تم بناؤها، وعدم القدرة على التواصل بشكل فعال وتنفيذ الخطط التكتيكية المحددة، وصولا إلى ضعف التنظيم والتكيف مع استراتيجية الخصم.
وعزى الزكراوي هذا المستوى إلى رغبة الناخب الوطني في تشبيب المنتخب وإعطاء الفرصة أكثر لبعض العناصر من أجل الدفاع عن أحقيتها في البقاء ضمن التشكيل الأساسي للأسود، مضيفا أن “هذا ما لم يتفهمه الجمهور الرياضي المغربي، الذي لازال متعلقا بأداء كأس العالم قطر22، ولا يتقبل كذلك مبررات تجريب اللاعبين ووضع الركائز الأساسية في الاحتياط”.
ويرى الزكراوي أن على أسود الأطلس أن يستفيقوا من حلم قطر، “لأن أجواء وظروف اللعب في أفريقيا مغاير تمام لما ألفه اللاعبون في أوروبا وفي مونديال قطر، وسيكون النجاح في هذا التحدي بمثابة اختبار صعب للمدرب وليد الركركي ولبعض الأسماء التي بدأت تفقد بريقها وتراجع مستواها”.
في قراءة مغايرة، يرى الإعلامي الرياضي، بلال النوالي، أن نهج الركراكي لخطة التجريب ليست في محلها سواء من حيث السياق الزمني أو من حيث طبيعة المباريات المقبلة.
من جهة ثانية، يتفق النوالي، في تصريحه لموقع الأول للأخبار، على أن الأداء الذي ظهر به المنتخب الوطني المغربي في مباراة الرأس الأخضر الودية وكذا في مباراة جنوب إفريقيا التصفيات المؤهلة لكأس إفريقية، ليس هو أداءه بكأس العالم قطر 2022، كون العناصر التي لعبت هذه المباريات ليست نفس العناصر التي لعبت كأس العالم، وأن الأمر لا يتعلق فعلا بانتكاسة.
وأبرز الإعلامي الرياضي أن المبارتين الأخيرتين شهدتا تغييرا في مراكز اللاعبين بالإضافة للوافدين الجدد، ووذلك ضمن خطة الركراكي لأجل تجريب بعض اللاعبين والوقوف على مدى جاهزيتهم، “لكن مرحلة التجريب تدخلك مرحلة الشك، وهذا ما كان يحصل مع وحيد حليلوزيتش، حيث كنا نجد في كل مباراة لاعبا جديدا، وتغييرات عديدة في التشكيلة”.
وانتقد النوالي نهج الركراكي، مستشهدا في ذلك بمدرب المنتخب الفرنسي، ديدي ديشامب، الذي لعب مباراته، أول أمس الجمعة، ضد منتخب جبل طارق، بنفس تشكيلته في المباراة النهائية لمونديال قطر، ضد منتخب الأرجنتين، رغم كون منتخب جبل طارق منتخب “ضعيف ومغمور”.
ويرى النوالي أن مرحلة التجريب يجب ألا تتعدى إعطاء 10 دقائق أو 20 دقيقة للاعب، مع الاحتفاظ على نفس العناصر الأساسية.
واختتم الصحافي والإعلامي الرياضي تصريحه مشيرا إلى أن المغاربة ينتظرون التتويج بكأس إفريقيا الذي غاب منذ سنوات عن خزينة المنتخب، بعدما حصد كأس إفريقيا وحيدة، ومتمنيا أن يدخل الركراكي في المباراة القادمة بنفس العناصر الأساسية، وتشكيلة واحدة، حتى تكون هناك توليفة بشرية، “فالميادين الإفريقية تختلف عن مباريات كأس العالم”.