أكدت الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، زينب العدوي، اليوم الثلاثاء، على أن تشخيص عوائق الاستثمار بالمملكة يبرز الحاجة إلى الاعتماد على رافعات اقتصادية أخرى من أجل تحسين جاذبية البلاد كوجهة للاستثمار.
وأشارت السيدة العدوي، في جلسة عمومية مشتركة لمجلسي البرلمان خصصت لتقديم عرض عن أعمال المجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2021، إلى أن إصلاح منظومة الاستثمار يأتي ضمن قائمة الأولويات، مسجلة أن الخطب السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس وتقرير النموذج التنموي الجديد حددت التوجهات الاستراتيجية لإصلاح الاستثمار، فضلا عن أنه تمت مراجعة الإطار التشريعي لتحفيز الاستثمار من خلال اعتماد قانون-إطار جديد بمثابة ميثاق الاستثمار.
وأكدت المسؤولة في هذا السياق على الحاجة إلى معالجة المعيقات البنيوية المرتبطة بالقطاع غير المهيكل، وتقليص كلفة عوامل الإنتاج، وتحفيز الابتكار والإبداع، وتحسين شروط الحصول على العقار والتمويل واللجوء إلى آليات التحكيم والوساطة لحل النزاعات، بالإضافة إلى تسريع وتيرة الإصلاح الضريبي.
وأبرزت أن الإطار المؤسساتي للاستثمار يتسم بتعدد المتدخلين وتداخل نطاق اختصاصهم الذي قد يشمل المستوى الوطني بالنسبة للبعض، أو الترابي أو المحلي أو القطاعي بالنسبة للآخرين، لافتة إلى أن تباين أولويات وأهداف المتدخلين وكذا الاختلافات التي تطبع مقارباتهم لا يساهم في ضمان انسجام التدخلات مع التوجيهات المشتركة، ما من شأنه إضعاف التقائية السياسات العمومية في مجال تنمية الاستثمار وتحفيزه وإنعاشه.
وتابعت بالقول “إذا كان الإطار التحفيزي قد تم استكماله من خلال صدور النصوص التطبيقية للميثاق الجديد، فإن التسهيلات الإدارية لا تزال تواجه بعض المعيقات على المستوى العملي، حيث لازالت العديد من الإجراءات الإدارية اللازمة لتفعيل بعض المشاريع الاستثمارية تتم خارج الشباك الوحيد للمراكز الجهوية للاستثمار”، مضيفة أن النظام التحفيزي للاستثمار لايزال متفرقا بين العديد من الأجهزة العمومية دون أن يسلك بالضرورة مسار المراكز الجهوية للاستثمار.
وأشارت إلى أن هذا الوضع يؤثر على الدور المحوري الذي أريد لهذه المراكز من أجل الإشراف على عملية الاستثمار برمتها، مؤكدة على ضرورة اتخاذ إجراءات تصحيحية بمقاربة شمولية، منها على وجه الخصوص، ترسيخ المراكز الجهوية للاستثمار كإطار موحد لمعالجة ملفات الاستثمار، وتكريس المبادئ التي سنها القانون رقم 55.19 المتعلق ﺑﺘﺒﺴﻴﻂ اﻟﻤﺴﺎﻃﺮ واﻹﺟﺮاءات اﻹدارﻳﺔ وتسريع اللاتمركز الإداري من طرف القطاعات الوزارية، لا سيما ذات الصلة بالاستثمار، وكذا تحسين رقمنة الخدمات العمومية.
وعلى ضوء تقييمه لهذا الإصلاح الحيوي، أشارت السيدة العدوي إلى توصية المجلس الأعلى للحسابات بضرورة تنزيل خارطة الطريق الاستراتيجية للفترة 2023-2026 بشكل منهجي، مع تحديد خطة تنفيذها على المستويين القطاعي والترابي، وإجراء تحليل شامل ودقيق لمهام مختلف الفاعلين المؤسسيين المسؤولين عن الاستثمار من أجل تحديد مجالات التحسين والالتقائية في تدخلاتهم، بهدف تحقيق تكامل أفضل والمزيد من الترشيد.
وقصد تبسيط الإجراء الإداري للاستثمار، دعت المسؤولة إلى ضرورة تكريس دور المراكز الجهوية للاستثمار كإطار موحد للمعالجة الإدارية لعملية الاستثمار من بدايتها إلى نهايتها من خلال تسريع وتيرة إنجاز الإصلاحات المتعلقة بهذه المراكز.
وأكدت أن المجلس الأعلى للحسابات، ومن خلال تقييمه للتطورات الأخيرة لمنظومة تشجيع الاستثمار، يسجل المبادرة الحكومية لتعبئة كافة الفاعلين المعنيين حول خارطة الطريق الاستراتيجية، التي اعتمدت للفترة 2023-2026 لتحسين مناخ الأعمال، باعتبارها محطة أساسية، مشددة على أن التفعيل الأمثل لهذه الخطة يقتضي تحديد الأولويات وخلق روابط الالتقائية بين القطاعات ووضع الآليات العملية للرصد والمواكبة والتقييم الدوري.
وسجلت العدوي أن مجال تحسين مناخ الأعمال عرف تحقيق إنجازات أخرى شملت أساسا إحداث “صندوق دعم تمويل المبادرة المقاولاتية” بموجب قانون المالية 2020 وإحداث “صندوق محمد السادس للاستثمار” وتحسين الإطار القانوني والمسطري للطلبيات العمومية وتعزيز الحكامة والتأطير القانوني لآجال الأداء بالإضافة إلى اعتماد السياسة الوطنية لتحسين مناخ الأعمال للفترة 2021-2025 من قبل اللجنة الوطنية لمناخ الأعمال.
من جهة أخرى، دعت الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات إلى تحديد التركيبة المستهدفة للمحفظة العمومية، ووضع تخطيط متعدد السنوات لبرامج إعادة الهيكلة بأشكالها المختلفة، مؤكدة على ضرورة تسريع تنفيذ إجراءات إعادة الهيكلة على المدى القصير والمتوسط، التي تم الشروع فيها من طرف المؤسسات والمقاولات العمومية ذات الرهانات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى.
وأشارت في هذا السياق إلى أن تحديث الإطار القانوني الذي يؤطر إحداث وحكامة المؤسسات والمقاولات العمومية لم يكتمل بعد، مبرزة أن العديد من النصوص التشريعية والتنظيمية المنصوص عليها في القانون -الإطار رقم 50.21 واللازمة لتفعيله لم تتم بعد المصادقة عليها.
وأبرزت السيدة العدوي في هذا الصدد أن الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع نجاعة أداء المؤسسات والمقاولات العمومية، المحدثة بموجب القانون رقم 82.20 في يوليو 2021، لم يتم تفعيلها بعد لكونها لم تستكمل أجهزة الحكامة والتدبير المنصوص عليها في القانون المحدث لها، داعية إلى استكمال أجهزة حكامة الوكالة والمصادقة على أدوات تدبيرها والشروع، في أقرب وقت ممكن، في أشغال البرمجة الاستراتيجية والتشغيلية.
وسجلت في ذات السياق أن إعادة هيكلة المحفظة العمومية، وعلى الرغم من الجهود المبذولة منذ سنة 2018، لم تنطلق بعد بصفة فعلية، في غياب خارطة طريق لعمليات إعادة الهيكلة بجدول زمني محدد، لافتة إلى أن إجراءات إعادة الهيكلة الداخلية التي بدأت في تنفيذها بعض المؤسسات والمقاولات العمومية ذات الأهمية الكبرى للدولة لم تفض بعد إلى النتائج المتوخاة فيما يخص وضعيتها المالية ومؤشراتها الاقتصادية.
وأشارت إلى تراجع النتائج المالية لبعض المؤسسات والمقاولات العمومية في سنتي 2020 و2022، بسبب الأزمة الصحية وارتفاع أسعار المواد الأولية، خصوصا المنتجات الطاقية، مشيرة في هذا الصدد إلى أن الأمر ينطبق على المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب والمكتب الوطني للسكك الحديدية وشركة الخطوط الملكية المغربية.
من جانب آخر، سجلت السيدة العدوي أن عمليات إعادة الهيكلة الأربعة التي تمت برمجتها بموجب قانون المالية لسنة 2022، لم يتم تنفيذ ثلاثة منها، ويتعلق الأمر بالشراكة الاستراتيجية بين المكتب الوطني للسكك الحديدية والمكتب الشريف للفوسفاط وصندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإحداث القطب العمومي السمعي والبصري، والتقارب بين الوكالة الخاصة لطنجة المتوسط وشركة استغلال الموانئ، فيما يوجد مشروع القانون المتعلق بتنفيذ ورش إعادة هيكلة قطاع توزيع الماء والكهرباء والتطهير السائل في طور المصادقة.