“نص بلاصة” بالعصامية انتقل من بيع البيض إلى كبار مقاولي ما بعد الاستقلال
العصامي “عمر التيسير” الملقب ب “نص بلاصة” نظرا لصغر سنه عند ولوجه لعالم الشغل، حيث لم يتجاوز 12 سنة في بداياته الأولى، أسطورة حقيقية في مجال المال والأعمال بمغرب ما بعد الاستقلال، انتقل من جامع وبائع البيض بتمنار، إلى أغنى أغنياء المغرب.
ازداد عمر بتمنار عاصمة منطقة حاحا، زاول التجارة في وقت مبكر من حياته، استثمر في جمع وبيع البيض من نساء الدواوير، حيث أعفاهن من التنقل للأسواق وبيع منتوجهن المحلي، إذ كان يأخذ ما جمعن من بيض للأسواق لبيعه، وحين يعود لأخذ البيض الجديد يدفع إليهن قيمة ما أخذه المرة الأخيرة، في عملية تجارية أساسها الثقة والمنفعة المتبادلة والتضامن الاجتماعي.
كان عمر دائم التنقل عبر حافلات نقل الركاب للأسواق الأسبوعية، مجتهدا مثابرا، قطع الكيلوميترات مشيا ومتنقلا للدوارير لجمع المنتوجات المحلية، ولم يترك سوقا إلا وقصده لبيع ما جمعه من مواد، لقب بنص بلاصة لصغر سنه آنذاك، ولدفعه نصف مبلغ تذكرة الحافلة، فصار معروفا بالمحطات الطرقية بعمر نص بلاصة.
من جامع للبيض إلى جامع الأحجار
ولأن عمر كان طموحا، لم يبال بالسخرية ولا بالألقاب، بلم يبال بالتهكمات ولا بالصعاب، فالهدف واضح نصب عينيه، إن التفت يمنة ويسرة ضاع هدفه وتشتت أفكاره وضاع الحلم، قاده صبره وعزيمته للعمل في مجال توفير أحجار البناء والتشييد، فقد علم بحاجة شركة فرنسية لكمية كبيرة من الأحجار لبناء الطرق والمنشآت، لم يتردد عمر في اقتناص الفرصة، فبعد رفضه الالتحاق بها عاملا عرض توفير ما تحتاجه من أحجار، وذلك ما كان.
يقول أحد أفراد عائلته أن شركة فرنسية كانت بصدد بناء طريق يربط المنطقة بأكادير، وكانت تحتاج للأحجار في بناء الطريق، هناك جمع عمر شباب الدواوير وشرح لهم المشروع المدر للدخل، لتكون فكرة جمع الأحجار الخطوة الناجحة له لعالم المال والأعمال.
لم يمض إلا وقت يسير حتى أسس عمر لنفسه مقاولة صغير بعتاد بسيط وشاحنة، انخرط بها في المشروعات الصغيرة، وكان زلزال أكادير مناسبة ليظهر مهاراته وقدرات مقاولته في إزاحة الأكوام المتراكمة من الأتربة والخراب التي خلفها الزلزال، فقد وجدته الفرصة مستعدا، وهناك بدأ في الحصول على بعض المشاريع الخاصة باعمار المدينة، ما فتح له الأبواب للالتحاق بعالم الكبار وجني أرباح هامة، بل وحظي باعجاب واستقبال الملك الحسن الثاني، استقبال فتح أبواب أخرى أمام الرجل فانتقل للعمل في مجالات أوسع وأكبر سواء مع المكتب الشريف للفوسفاط أو مع المكتب الوطني للماء والكهرباء أو المكتب الوطني للسكك الحديدية وغيرها، فشق الطرق وبنى القناطر وشيد المباني، وكانت بصماته قوية في شق الطريق الوطنية بين مراكش وأكادير رغم وعورة تضاريسها الجبلية.
إعجاب الملك الحسن الثاني ب”نص بلاصة” قاده لمزيد تميز
أعجب الملك الراحل الحسن الثاني بعمر التيسير، وجده أمينا مكافحا، استقبله وقربه، فنافس كبريات الشركات الفرنسية، فقد شيد منشآت كبرى كالمركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله وكان من الأوائل الذين استعانوا بالتقنيات والسواعد الصينية بالمغرب، كما فوت له الملك الحسن الثاني مشاريع خارج المغرب، فبنى الجامع الكبير للعاصمة الغينية، وبنى الجامع الكبير لدكار، وبالغابون وغيرها.
زلة قدم أنهت مشوار عصامي كان أحد بناة مغرب ما بعد الاستقلال
في نهاية شهر أبريل من سنة 1979، تعرض “عمر التيسير” لحادث عرضي حين التوت به قدمه وهو يهم بصعود سلم مكتبه ليسقط على رأسه، تعرض لنزيف دموي في الدماغ دخل على اثره في غيبوبة اضطرت معه عائلته لنقله لمدينة مارسيليا، هناك خضع لعملية جراحية على يد اختصاصيين في جراحة الدماغ، لكن الرجل ظل في غيبوبته التي دامت عشرين يوما انتهت بوفاته في 26 ماي 1979.
ظل صهره حريصا على مرافقته في أصعب وضعية صحية عاشها، لكن مشيئة الله كانت فوق كل الآمال والتوسلات، لتنهي أسطورة رجل عصامي تحول إلى أحد بناة مغرب ما بعد الاستقلال.
دفن الفقيد بمقبرة الشهداء في موكب جنائزي مهيب، تاركا وراءه عشرات المشاريع كانت في بداياتها، كما كان هو الآخر في بدابات أوج عطائه الاقتصادي، رحم الله عمر التيسير رحمة واسعة، وستظل سيرته نبراسا للشباب الطموح، الباحث عن المجد والتميز والخير لبلده وأمته.