سلط المدير العام للمكتب الوطني للسكك الحديدية، ربيع لخليع، أول أمس الاثنين بأبوظبي، الضوء على التجربة المغربية في مجال النقل السككي، وخاصة مشروع القطار فائق السرعة (البراق).
وقال لخليع في مداخلة له خلال أشغال النسخة السابعة عشرة من مؤتمر ومعرض الشرق الأوسط للسكك الحديدية، أن هذا القطاع الذي يتولى المكتب الوطني للسكك الحديدية إدارته، يشغل حوالي أربعة آلاف كيلومتر من السكك وفق المعايير الدولية، منها حوالي 200 كيلومتر للخط فائق السرعة(320 كلم/س(، مشيرا الى أن هذه الشبكة السككية التي تنقل سنويا 46 مليون مسافر و21 مليون طن من البضائع، والتي تعرف وتيرة استثمارات سريعة، ما فتئت تلعب دورا مميزا في النسيج الاقتصادي والاجتماعي بالمملكة، لتتعزز أيضا، وبشكل ملموس، مكانتها دوليا من حيث جودتها وفعاليتها، وتنافسيتها.
وأضاف أنه في إطار الدينامية الطموحة والرؤية المستقبلية لقطاع النقل واللوجستيك، شكل تطوير قطاع السكك الحديدية إحدى الأولويات، وفق استراتيجية طموحة، واضحة المعالم وبينة المرامي، ترتكز على مخطط مديري طموح، سطر وفق مقاربة تشاركية لاستشراف معالم الشبكة السككية الوطنية على المدى المتوسط والبعيد، والذي تقدر تكلفته الإجمالية بحوالي 40 مليار أورو، مبرزا أن هذا المخطط يرمي إلى التشييد التدريجي لما طوله 3800 كلم من الخطوط ذات السرعة العادية و1500 كلم من الخطوط فائقة السرعة التي تتشكل من محور أطلنتيكي ممتد من طنجة، بوابة أوروبا، إلى أكادير كمدخل نحو الأقاليم الجنوبية للمغرب، ومحور مغاربي يربط الدار البيضاء بوجدة شرق المملكة.
وأكد أن هذا المخطط سيمكن في الأفق من تعميم الربط السككي للمدن التي يتجاوز تعداد سكانها مائة ألف نسمة، أي ما يقارب 90 في المائة من الساكنة الوطنية، بالإضافة إلى ربط أهم الموانئ ومطارات المملكة، مع خلق عشرة مراكز كأقطاب جهوية للمراسلة، وتنظيم ودعم التكامل والتناسق بين مختلف أنماط النقل، مؤكدا أن المخطط يفوق وقعه الحدود الجغرافية بحيث صمم في انسجام وتناغم تامين مع مخططات الربط القاري والجهوي، أولا مع إفريقيا، في إطار مشروع ‘”القطار المندمج فائق السرعة” وثانيا، مع آسيا في إطار المشروع الطموح للربط السككي للدول العربية، وثالثا، مع أوروبا في إطار مشروع الربط القاري عبر مضيق جبل طارق.
وقال إنه في ظل تنزيل هذا المخطط المديري، يعكس التاريخ المعاصر للسكك الحديدية المغربية بقوة هذا المسار الحافل بتحولات عميقة وجذرية طبعت هذا القطاع الحيوي، مشيرا في هذا السياق إلى أن العشرية الأخيرة، عرفت إنجاز مشاريع مهيكلة لتحديث وتوسيع الشبكة والرفع من سعتها، وعصرنة مختلف مكوناتها، وذلك وفق سياسة وطنية إرادية لتطوير القطاع.
وفي ظل هذه الاستثمارات المتناسقة والمتجانسة والمتكاملة، تم أيضا سنة 2018، يضيف لخليع، إنجاز خط القطار فائق السرعة (البراق) الرابط بين طنجة والدار البيضاء، والذي أحدث تحول جذريا في المنظومة السككية بالمغرب، كحل ناجع من أجل مواجهة الطلب المتزايد في حركية تنقل الأشخاص على المحور المعني والتوفر على سعة أكبر لتلبية الطلب المضطرد على نقل البضائع واللوجستيك بشكل مناسب، خصوصا المتعلق بميناء طنجة المتوسط، بشمال المملكة.
وأوضح أن مكونات هذا المشروع، الذي تطلب غلافا ماليا بقيمة 2،3 مليار دولار، تجلت في تشييد خط سككي مزدوج على طول 200 كلم تطلب وعاء عقاريا بمساحة 1800 هكتار وبناء 12 قنطرة، وإنشاء قاعدتين للأشغال (94 هكتار) وإنجاز ورش لصيانة القطارات بالإضافة إلى اقتناء 12 قطار فائق السرعة، مبرزا بهذا الخصوص أن الاختيار وقع على تبني نموذج مندمج لهذا المشروع المهيكل يتضمن كل المكونات، انطلاقا من الدراسات إلى غاية الاستغلال التجاري والصيانة، مع إعداد العنصر البشري بفضل خلق معهد للتكوين السككي المتميز لصقل مهارات تقنية جديدة، وتعزيز شراكات لتعاون بناء ومثمر مع مختلف الشركاء للاستفادة من الخبرة والمعرفة والمهارة المتراكمة على مر السنين بالنسبة لهذه التكنولوجية المتقدمة.
وتابع انه باعتباره رمزا للتحول، سجل القطار فائق السرعة (البراق)، الذي يشتغل منذ يناير 2022 بالطاقة النظيفة، آثارا إيجابية واضحة ومتعددة الأبعاد، كمحفز للدينامية الاجتماعية و الاقتصادية، ولتحسين مستوى التثمين والتسويق الترابي، مبرزا أن إيجابياته امتدت لتشمل مجالات متنوعة كالتهيئة الحضرية وتثمين العقار، فضلا عن الرفع من الجاذبية الاقتصادية والسياحية للمدن المعنية.
وأشار إلى مواصلة التنزيل التدريجي للمخطط المديري الطموح، من أجل انجاز مشروع تمديد الخط فائق السرعة إلى غاية مراكش على طول 390 كلم، مضيفا أن المكتب الوطني للسكك الحديدية،منكب أيضا على إنجاز كل الدراسات المفصلة الضرورية لتشييد خط سككي فائق السرعة لنقل مزدوج )المسافرين والبضائع) على طول 239 كلم بين مراكش وأكادير.
وقال إنه بفضل تمديد هاذين الخطين على المحور الأطلنتيكي، ستغطي الشبكة الوطنية فائقة السرعة خمس جهات كبرى بالمملكة تتسم بديناميتها ووزنها الاجتماعي والاقتصادي وكثافة تنقلاتها اليومية.
يشار إلى انه تم خلال المؤتمر التوقيع على اتفاقية للتعاون وتبادل الخبرات بين المكتب الوطني للسكك الحديدية واتحاد قطارات الإمارات في مجال السكك الحديدية.
وتبحث الدورة السابعة عشرة من مؤتمر ومعرض الشرق الأوسط للسكك الحديدية، التي تعرف مشاركة عدد من الوزراء ومسؤولي قطاع النقل السككي من عدة دول من بينها المغرب، قضايا الابتكار والرقمنة، والمحطات السككية الذكية، فضلا عن رقمنة الخدمات اللوجستية، والجوانب البيئية.
كما يتدارس المؤتمر الذي يحضره أكثر من عشرة الاف مشارك، من ضمنهم 400 متحدث وأكثر من 300 جهة عارضة، القضايا ذات الصلة بربط الموانىء بالسكك الحديدية، والمسائل المرتبطة بالاستدامة والتمويل.
وتتطرق جلسات المؤتمر الذي يستمر على مدى يومين الى دور السكك الحديدية في الحد من الانبعاثات الكربونية، فضلا عن استخدام الهيدروجين في تكنولوجيا القطارات.