تستأثر تداعيات قضية احتيال واسعة بملايين الدولارات، بطلتها مسؤولة بنكية بإسطنبول وضحاياها نجوم كرة القدم، باهتمام الرأي العام التركي والإعلام المحلي، منذ عدة أسابيع.
وانفجرت القضية شهر أبريل الماضي عندما كشف مكتب المدعي العام في إسطنبول أنه فتح تحقيقا، إثر شكاية عدد من الضحايا، في مزاعم قيام مديرة لفرع بنكي بإدارة مخطط احتيال مالي (على طريقة سلسلة بونزي)، حيث يشتبه أنها جمعت ما يقرب من 44 مليون دولار أمريكي من 29 شخصا، أغلبهم مشاهير كرة القدم.
وأفاد مكتب الادعاء أنه يشتبه سيشيل إرجان، التي كانت تدير أحد فروع مصرف “دنيز بنك” بإسطنبول، بأنها كانت تقنع الضحايا بالاستثمار في صندوق احتيالي وتعدهم بعائدات مالية “خيالية وغير واقعية” تصل إلى 40 في المائة شهريا، وذلك باستخدام علاقات زبونها التي كانت تدير استثماراته، فاتح تريم، المدرب الشهير والسابق لنادي غلطة سراي التركي، وميلان وفيورونتينا الإيطاليين. وأضاف الادعاء أن المتهمة “فشلت في دفع أي فوائد لأغلبية المستثمرين، الذين لم يستطيعوا استرداد رؤوس أموالهم”.
ووفقا لوسائل الإعلام المحلية، استطاعت إرجان كسب ثقة مجموعة من لاعبي كرة القدم، من بينهم أردا توران، نجم أتلتيكو مدريد وبرشلونة السابق، وفيرناندو موسليرا، اللاعب الحالي في غلطة سراي، والذين أقنعتهم المسؤولة البنكية بالاستثمار في صندوق “سري ونخبوي”، أطلقت عليه اسم “صندوق فاتح تريم”.
ورغم أن صندوق الاستثمار يحمل اسمه، إلا أن المدرب التركي نفى أي صلة أو علم له بمخطط الاحتيال، ولم توجه له أي تهمة إلى حدود الساعة.
أما سيشيل إرجان، التي انطلقت محاكمتها بتهمتي الاحتيال والتزوير مع ستة متهمين آخرين، شهر نونبر الماضي، فتواجه عقوبة سجنية تفوق مئتا عام، وفقا لما طلبه المدعي العام في لائحة الاتهام.
وخلقت الأخيرة المفاجئة عندما اتهمت خلال جلسة استماعها الأولى عددا من المسؤولين التنفيذيين في “دنيز بنك” وأعضاء مجلس إدارته، بكونهم “كانوا على دراية بوجود صندوق الاستثمار، وأجبروها عن طريق التهديد بإنكار الأمر بعد اندلاع القضية”.
وقالت إرجان أمام القضاء إنها كانت تسجل جميع عمليات الاستثمار في النظام المعلوماتي الداخلي للبنك، وأن جميع زبنائها كانوا يوقعون على وثائق رسمية يصدرها البنك، علاوة على موافقة مسؤولي المؤسسة على إجراء تحويلات مالية مهمة بالدولار.
من جانبه، نفى “دنيز بنك”، الذي يعتبر من أكبر المصارف الخاصة في البلاد، هذه المزاعم. وقال في بيان صدر الثلاثاء الماضي، إنه “ينفي بشكل قاطع أي علم له بالصندوق”، مؤكدا أن “جميع المعاملات المالية التي قامت بها سيشيل إرجان تمت خارج النظام المصرفي وبدون موافقة أو علم مسؤولي البنك”.
ويبدوا أن السلطات التركية لا تشتبه حاليا إدارة البنك بالمساهمة في مخطط الاحتيال أو أنها كانت على علم به، حيث قررت وكالة التنظيم والرقابة البنكية عدم تقديم شكوى ضد “دنيز بنك”.
بالمقابل، أعلنت وزارة الرياضة التركية عن فتح تحقيق واسع حول لاعبي كرة القدم والشخصيات الرياضية المرتبطة بالصندوق، وفحص علاقاتهم مع سيشيل إرجان ومصدر الأموال التي استثمروها.
وأكدت الوزارة، في بيان لها، أن التحقيق يهدف إلى “كشف شبكة العلاقات المتورطة في قضية الاحتيال هاته”، مسجلة “احتمال تعرض بعض الشخصيات الرياضية لعقوبات إدارية بعد الانتهاء من التحقيق”.
وأمام تضخم القضية، صرح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يوم السبت الماضي، بأن “التحقيقات مع المشتبه بهم في هذا الملف مستمرة”، مضيفا أن “تركيا دولة قانون وكل من يرتكب أعمالا غير قانونية سيعاقب”.
وقال الرئيس إنه “لا ينبغي للمواطنين أن يقعوا في فخ المحتالين الذين يقدمون أرباحا عالية في وقت قصير مع وعود بالحصول على أموال سهلة”.
ومن المتوقع عقد جلسة الاستماع الثانية في هذه القضية، التي باتت معروفة إعلاميا باسم “صندوق فاتح تريم”، بداية شهر يناير 2024.