أوصى تقرير مجموعة العمل الموضوعاتية لمنظومة التعليم والتكوين الم حدثة بمجلس المستشارين، الحكومة بفتح حوار وطني موسع تنبثق عنه توجهات كبرى لإصلاح التعليم والتكوين، وجعلها منطلقات أساسية “لإصلاح عابر للزمن الحكومي، مع استحضار الأوراش الإصلاحية الكبرى التي انخرط فيها المغرب”.
وأكد التقرير، الذي تم تقديمه اليوم الثلاثاء خلال الجلسة السنوية لتقييم ومناقشة السياسات العمومية في موضوع حول موضوع “التعليم والتكوين ورهانات الإصلاح”، على ضرورة ترسيخ نظام اللاتركيز الإداري بما يتماشى وفلسفة الجهوية الموسعة، وإعمال قيم الشفافية والمساءلة وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتفعيل آليات المراقبة والتتبع والتقييم وكذا هيئات للتشاور على المستوى الجهوي من أجل إشراك فعلي لمختلف المتدخلين والمعنيين في عملية وضع ومتابعة وتقييم سياسات التعليم والتكوين.
ودعت مجموعة العمل الموضوعاتية، في ضوء التشخيص الموضوعي الذي قامت به بخصوص قياس مخرجات ونتائج الفعل العمومي المتعلقة بالمجال للفترة 2022-2015 استننادا إلى معايير الملاءمة و الالتقائية والفعالية والنجاعة، إلى تقديم الدعم المؤسساتي والمالي لمؤسسات التعليم والتكوين وتشجيعها على الإبداع والابتكار والانخراط في مشاريع مشتركة لتطوير البحث العلمي، ووضع استراتيجية وطنية للحد من هجرة الأدمغة والكفاءات الوطنية، واستقطاب الكفاءات من دو ل المهجر، فضلا عن تمتين جسور التواصل والتنسيق بين مؤسسات التعليم والتكوين وجعلها قادرة على تكوين جيل فاعل في تنمية بلده.
وعلى مستوى التربية الوطنية والتعليم الأولي، أوصى التقرير بمراجعة القواعد القانونية والتنظيمية لمؤسسات التعليم الخصوصي، وجعلها تخضع لنفس المعايير، للمساهمة في الرفع من تنوع العرض التعليمي كخدمة عمومية؛ ووضع إطار مرجعي وطني يؤطر عملية تجديد وتطوير المناهج التعليمية يدمج تثمين روافد الثقافة المغربية، وإتاحة الإمكانيات لتفجير الطاقات الإبداعية والتشجيع على الابتكار.
ودعا إلى وضع تدابير لبناء نموذج بيداغوجي موحد الأهداف والغايات في التعليم الأولي، مؤكدا أن تحسين جودة التعلمات يستوجب التدقيق في وظائف مختلف الأسلاك التعليمية، وإرساء رؤية واضحة لإدماج التكنولوجيات التربوية في البرامج الدراسية؛ واعتماد مبدأ الشفافية والاستحقاق وتكافؤ الفرص في انتقاء المتفوقين لولوج ثانويات التميز.
وعلى مستوى التكوين المهني، أكد التقرير ضرورة النهوض به من أجل توفير فرص العمل والرفع من التنافسية الاقتصادية ومواكبة التحولات الدولية؛ وتعميم مدن المهن والكفاءات على كافة جهات المملكة وجعلها ملائمة لحاجيات سوق الشغل الجهوي ومنفتحة على التوجهات الوطنية؛ علاوة على وضع مسار ممهنن مرتبط بحاجات سوق الشغل يتسم بالمرونة وقابلية التكيف مع مستجدات المحيط الاقتصادي.
وحث التقرير أيضا على توزيع الزمن التكويني بالتناوب بين إعطاء الدروس النظرية والاستفادة من الدورات التكوينية التطبيقية؛ وتنويع مسارات التكوين لتستجيب لتنوع المؤهلات التي يتوفر عليها التلاميذ، وجعلها ملائمة لحاجيات سوق الشغل؛ فضلا عن عقد شراكات بين مختلف القطاعات الحكومية الإنتاجية والجهات والمكتب الوطني للتكوين المهني من أجل إحداث مراكز للتكوين المهني متخصصة في مجالات اقتصادية إنتاجية معينة وتراعي خصوصية كل جهة.
أما على مستوى التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، فقد أوصى التقرير بمراجعة الترسانة القانونية والتنظيمية المتعلقة بالتعليم العالي، ودمجه ضمن منظور الجهوية الموسعة، وتثمين الروابط بين الجهات والجامعات بناء على مشاريع مشتركة تراعي الحاجيات الجهوية وتساهم في التنمية؛ وتبني هندسة جديدة لمؤسسات التعليم العالي ذات الاستقطاب المفتوح، وفق خارطة وطنية واضحة.
ودعا كذلك، إلى تنويع مؤسسات التعليم وجعلها تخضع إلى تصنيف جديد يدمج بين مؤسسات تهدف إلى التأهيل المهني ومؤسسات تشتغل على تطوير مسارات البحث العلمي وأخرى تدمج بين خيار التكوين وتطوير البحث والإبداع والابتكار؛ وإرساء نظام مناسب للجامعات من خلال استحضار البعد التشاوري والأكاديمي والتدبيري؛ وإرساء سياسة وطنية للبحث العلمي والتقني ترسم الأهداف العامة، بناء على حاجات المجتمع العلمية والاقتصادية.
وفي كلمة بالمناسبة، أكد رئيس مجموعة العمل الموضوعاتية السيد فؤاد القادري، أن الرهان الأساسي الذي حكم الاختيارات المنهجية التي اعتمدتها في مقاربة موضوع اشتغالها، هو الوصول إلى ملاحظات وخلاصات تتسم بالمصداقية والموضوعية، والتي لا يمكن بلوغها إلا إذا اتسمت عملية تجميع المعطيات وتحليلها بآليات علمية دقيقة.
وأوضح السيد القادري أنه بالنسبة لقياس النتائج، فقد اعتمدت مجموعة العمل المعطيات المتوفرة من مصادرها لتحديد نسبة بلوغ المؤشرات الضرورية لتقييم كل معيار من المعايير المرتبطة بالسياسات العمومية موضوع التقييم، مضيفا أن الأمر يتعلق بتحديد العلاقة السببية للنتائج التي تمت ملاحظتها أثناء عملية التقييم، باتباع استراتيجية تقييمية تتأسس على فرضيات وعناصر منطقية وتحاليل تجريبية، مما يقتضي معرفة مدى تأثير عوامل أخرى على النتائج المسجلة غير الإجراءات المتبعة.
وتبنت مجموعة العمل ، حسب السيد القادري، نموذجا للتقييم يرمي إلى التحقق من إنجاز المدرسة للوظائف الخمس التي نصت عليها الرؤية الإستراتيجية والمتمثلة في التنشئة الاجتماعية؛ والتعليم؛ والتثقيف؛ والتأهيل؛ والتكوين والبحث، وذلك بالاستناد إلى الأسس الثلاثة للمدرسة كما تبنتها الرؤية والمتمثلة في الإنصاف، والجودة، والارتقاء، ليتم بذلك تقييم السياسات العمومية في مجال التعليم والتكوين من زاوية الإنصاف وتكافؤ الفرص، ومن جانب الوقوف على جودة المنظومة، ثم من جانب الارتقاء بالفرد وبالمجتمع.
وسجل أن مفهوم الجودة يعتبر جامعا للمفاهيم السابقة الذكر، مما دفع إلى اعتماد معيار الجودة في إنجاز هذا التقييم، تماشيا مع الإطار المرجعي للجودة الذي نص عليه قانون الإطار 51.17، الأمر الذي مكن من اعداد التقرير استنادا إلى نموذج للجودة تم بناؤه بعد استقراء أهم التجارب الدولية في هذا المجال.