تختزن صومعة “للا بيت الله” الواقعة بمنطقة أقا (70 كلم عن طاطا) إرثا تاريخيا أصيلا ومتنوعا لمجتمعات وحضارات تعاقبت على المغرب، فهي تراث معماري شاهد على عراقة الجنوب الشرقي للمملكة المغربية.
وسط واحة تتكون من أشجار النخيل ومياه باطنية متدفقة بشكل كبير، تطل هذه المعلمة التاريخية التي تصارع الزمن من أجل البقاء وتقاوم العوامل الطبيعية رغم مرور قرون عديدة على تشييدها.
وتتواجد مئذنة مسجد “للا بيت لله”، التي يطلق عليها سكان المنطقة صومعة “أم حسان” لتشابهها مع صومعة “حسان” بالرباط، بجانب مسجد عتيق بدوار قصبة سيدي عبد لله امبارك.
وتكسو هذه المعلمة الدينية، التي يطلق عليها قاطنو المنطقة أيضا اسم “اكادير امغار”، والتي يصل ارتفاعها إلى حوالي تسعة أمتار، زخرفة تزين واجهاتها الأربع.
ورغم عوامل التعرية البادية على المئذنة، فان جزءا مهما منها لا يزال منتصبا يضم رسومات هندسية رائعة أبدعها رجالات ذاك العصر الزاهر باستعمال مواد تقليدية مكونة من الطين المطبوخ والحجر وتؤرخ لتاريخ المغرب العريق وللفن المعماري والحضاري الذي خلفه الأجداد.
وقال الأستاذ الباحث ابراهيم جيد، إن “المعطيات التاريخية والحفريات الأولية التي أجريت بالمنطقة تشير إلى أن هذه المعلمة التاريخية يعود تاريخ بنائها إلى عهد السعديين، حيث كانت زاوية سيدي عبد الله امبارك إحدى الدعائم الرئيسية للدولة السعدية بالجنوب المغربي”، مشيرا إلى أن الشطر الأول من الحفريات وعمليات ترميم مسجد وصومعة “للا بيت لله” أثبتت أن الطابع المعماري لهذه المعلمة يحاكي بشكل كبير صومعة “حسان” بالرباط.
وأضاف، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذه الصومعة تختزن تراثا تاريخيا أصيلا ومتنوعا لمجتمعات وحضارات تعاقبت على الجنوب الشرقي للمملكة المغربية، مشيرا إلى أن هذه المعلمة الثقافية تعتبر من المآثر التاريخية العريقة والنواة الأولى لاستقرار ساكنة أقا منذ عهد السعديين.
من جهة أخرى، وسعيا إلى تثمين وصون التراث المادي المعماري والأثري الوطني، الذي يكتسي قيمة ثقافية وفنية وجمالية إنسانية وكونية، ووعيا بأهميته كأحد أسس تحقيق التنمية الشاملة، وكذا أحد أهم مقومات اقتصاد التراث، جعلت وزارة الثقافة والشباب والرياضة- قطاع الثقافة، هذا المكون في صلب برنامجها العملي الرامي إلى تحقيق استثمار مستدام يشمل التراث بمختلف عناصره وتجلياته.
وتحقيقا لهذا الغرض، وتطبيقا للمقتضيات القانونية المتعلقة بالمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة والتحف الفنية والعاديات، فإنه لا يجوز لأي كان “القيام، دون رخصة، بأعمال الحفر والبحث في الأرض والبحر قصد استكشاف مبان أو منقولات تكون فيها، بالنسبة للبلد، فائدة تاريخية أو أثرية أو أنتروبولوجية أو تهم العلوم التي تعنى بالماضي والعلوم الإنسانية بوجه عام”.
ويؤكد القطاع الوصي أنه “يتعين على كل شخص أنجز أو عمل على إنجاز عملية حفر لم يقصد منها البحث عن آثار قديمة واكتشفت على إثرها مبان أو نقود أو تحف فنية أو عاديات، أن يخبر باكتشافه في الحال السلطة المختصة”.
كما أنه “يمنع إتلاف أو نقل المباني أو الأشياء المكتشفة ما عدا لأجل حفظها، وإلا فإن عملية الحفر تعتبر خرقا يقع تحت طائلة أحكام القانون ذاته”.
ويدعو القطاع الوصي إلى “ضرورة احترام كافة المساطر المتعلقة بأعمال الحفر والاستكشاف”، مؤكدا على أهمية التراث المادي المعماري والأثري كمكون من مكونات الهوية الوطنية والذاكرة المجالية، وأحد محددات الوجود الحضاري الذي يتعين تثمينه وصونه وتحقيق استدامته”.
وحرصا على الحفاظ على هذا الموقع التاريخي ووعيا منها بأهمية التراث المادي بإقليم طاطا، بذلت وزارة الثقافة والشباب والرياضة- قطاع الثقافة- مجهودات في ترميم هذه المعلمة بدعم من عدد من الفاعلين المحليين، حيث تم وضع التصاميم الهندسية وتتبع أشغال الترميم.
وتم تأطير أشغال الحفريات الاثرية بالقرب من هذه المعلمة الثقافية بدعم من الوزارة وذلك ضمن برنامج للبحث العلمي المهتم بالتراث والآثار، الذي أشرف عليه باحثون من المعهد الوطني لعلوم الاثار والتراث.