في وقت متأخر من الليل… وبخطوات بطيئة متأنية، وعباءة مترهلة، ووجه تكسوه البراءة. تتقدم خديجة نحو غرفة الولادة بالمستشفى الإقليمي التابع لعمالة إنزكان أيت ملول. وجه يخفي ألف حكاية وحكاية، ومع ذلك ما زالت خديجة وهو الاسم المستعار الذي اخترته لها، تحاول الحفاظ على ابتسامتها وضحكتها وسذاجتها الطفولية رغم درايتها التامة بأن كل شيء سوف قد يتغير بعد سويعات. إنسان جديد، مسؤولية جديدة، وعي جديد، نظرة مغايرة للحياة…
خديجة عازبة شاءت قصتها الوردية أن تحبك في مدينة الخميسات، لتكمل مشاهدها في مدينة القليعة جنوب المغرب وسط الضيعات الفلاحية ومخازن الطماطم. قصة خديجة، قصة ألف فتاة وفتاة، سيناريو محبوك تعاد مشاهده كل دقيقة في اليوم في مغربنا الحبيب.
لم أبدي اهتمامي في البداية بقصة هذه الفتاة، ولم تكن لذي الجرأة للخوض في أطوار ماضيها، بقدر ما يهمني فحصها للتأكد من دخول وقت مخاضها وسلامة جنينها. لكن وجهها البريء والمليء بالأمل والتفاؤل جعلني أبحث في المختلف… نعم المختلف في هذه الفتاة رغم الخذلان الذي تلقته من من كانت تأمله سندا وشريكا ونصفا آخر، ورغم بعدها عن عائلتها التي غادرت كنفها خوفا من افتضاح حملها مع الأيام، بحجة العمل لتوفر لقمة عيش لها ولعائلتها الفقيرة التي تقبع في جبال الخميسات، إلا أن خديجة ما زالت تأمل وترجو غذا أجمل رفقة مولودها.
تقلصات المخاض الشديدة لم تترك لنا الفرصة للخوض أكثر في صغائر ودقائق المجريات، عملت على نقلها للمشفى الجهوي حيث العناية الطبية هناك، لتستقبل خديجة حياتها الجديدة بجناح الولادة بالمستشفى الجهوي الحسن الثاني مع ثمرة حب كانت مجرد نزوة عابرة.
تذكرت كلمات الراحلة عائشة الشنا، التي كرست حياتها للدفاع عن الأمهات العازبات ” الى كاليك أبنتي كنبغيك كولي ليه حتى أنا”. جملة تحمل ألف مغزى ومعنى. لا تتركي الفرصة لأي كان أن يتلاعب بك، فإن حاول فردي له المحاولة. لكن هيهات وهيهات …
يشهد المغرب ميلاد آلاف الأطفال خارج إطار الزواج، نتيجة وعود كاذبة بالزواج، وحالات اغتصاب، حيث يتخلى الآباء الفعليون عن الأطفال، بل وينكرون أنهم من صلبهم، مستغلين في ذلك بعض “الفراغات القانونية”، ما ينتج عنه ما يعرف في المغرب بظاهرة “الأمهات العازبات”، اللاتي يعشن حَيَوَاتٍ مأساوية، بعدما ترفضهن أسرهن، ويقسو عليهن المجتمع، ويذقن الويلات خلال رحلة تربية أطفالهن.
وتعتبر جمعية التضامن النسوي من بين الجمعيات الرائدة في المغرب في مجال العناية بالأمهات العازبات اذ تحتضن الفتيات اللواتي أنجبن دون زواج من سن 15 الى 25 سنة وتحتضنهن لمدة ثلاث سنوات وتدعمهن عن طريق منح ليتمكن من العيش في سكن ملائم كما تعلمهن حرفا وتساعدهن على رعاية أطفالهن.
هنا بمدينة أكادير تمثل جمعية أم البنين إحدى هذه المؤسسات، إذ تتوصل هذه الأخيرة بثلاث إلى أربع حالات ولادة يوميا (أي أنها تستقبل ما يوازي 3 إلى 4 أمهات عازبات يوميا). وتعمل الجمعية على تقديم الدعم النفسي والمادي للأم العازبة، وخدمات الإنصات والإرشاد، والمواكبة القانونية، بغية إنصافها ومنح الاعتراف بمولودها.
في خضم كل هذا، فإن الدولة ملزمة بأن تخلق فضاءات للأمهات العازبات، وتأهيلهن مهنيا ووضع خطة استراتيجية لدمج هذه الفئة داخل المجتمع، وتخصيص دعم لهن بجانب الأرامل والمطلقات.